"زمن الضباع" الرواية الأولى لـ"أشرف العشماوى" والمرشحة لـ"البوكر"
Do you like this story?
"زمن الضباع" الرواية الأولى لـ"أشرف العشماوى" والمرشحة لـ"البوكر"
اليوم السابع الجمعة، 17 يونيو 2011 - 09:14
كتب بلال رمضان
صدر حديثًا عن مكتبة الدَّار العربية للكتاب، الرواية الأولى للمستشار أشرف العشماوى بعنوان "زمن الضِّباع"، وتقع الرواية فى 248 صفحة من القطع المتوسط، وقد رشحتها الدار لجائزة البوكر العالمية فى نسختها العربية لعام 2011.
تدور أحداث الرواية فى غابة افتراضية غير محدِّدة المكان أو الزمان، أبطالها جميعهم من الحيوانات، وتغوص فى كواليس الحكم وعالم السياسة وما يحيط بهما من دسائس ومكائد، قادة الغابة كلهم حاضرون: الأسد ملك الغابة وحاكمها، والثعلب مسئول المعلومات والتقارير بالجزيرة المركزية الذى يعمل تحت إدارته الكثير من الجراء والحمير، وكبير الضباع رئيس الحكومة والمسئول عن إنهاء المظاهرات وأحداث العنف، وفرس النهر الكسول المنافق الذى قفز إلى أعلى درجات سلم الإدارة دون مقتضى وغيرهم كثيرون.
وتبدأ الرواية أحداثها بإيقاع سريع فيتكشف لنا صراع جماعات القوى والمصالح فى الغابة لتحقيق السيطرة عليها، فمن ناحية محاولات الضباع لاستئناس الأسد الذى تمكن كبير الضباع منه حتى حجب عنه بقية حيوانات الغابة المخلصين. ومن ناحية أخرى صراع لا ينتهى بين الثعلب العالم ببواطن الأمور وكبير الضباع الذى نشر أتباعه: المرقط والبنى والمائل إلى السواد والمخطط وغيرهم كالطاووس والتمساح فى أرجاء الغابة وجنبات العرين، فالثعلب خبير المعلومات، يستطيع التنبؤ بما سيقع من أحداث، مما توافر له من معلومات أو أحداث صغيرة لا يقف أمامها الكثيرون، لكنها ذات دلالة فى عالم المؤامرات.
الأحداث والوقائع والتغيرات بتفاصيلها ومؤامراتها ودسائسها يرويها لنا الثعلب بطل الرواية، وهو شخص مقرَّب جدًّا من الأسد، وبسبب تواجده على مقربة من صانعى القرار يكون دائماً فريسة للمؤامرات الكثيرة التى تحدث فى المملكة وعرضة للمفاجآت التى تتوالى كلما تصاعدت الأحداث، فالضباع تتغوَّل وتسمح لخرتيت بالجلوس على عرش الغابة، وهو يحل بذلك محل الأسد فيصبح كبير الضباع بين ليلة وضحاها معاوناً للخرتيت والرجل الثانى فى المملكة، ليستمتع بتحريك الأحداث من وراء الستار حتى تحين له الفرصة لتولى مقاليد الأمور بالكامل بمفرده.
واللافت للنظر أن بطل الرواية الثعلب يستطيع التنبؤ بما سيقع من أحداث، حيث تتوافر له دائمًا المعلومات ويتابع بمكره الأمور الصغيرة التى لا يقف أمامها الكثيرون، ولكنه بخبرته فى عالم المؤامرات يتعامل معها بدهاء أحياناً وببساطة أحياناً أخرى وبخوف فى كثير من الأحيان، خاصة حين يتراءى له أن كل من الطامحين فى الجلوس على كرسى العرش لهم مآرب أو أغراض شخصية، وأن الصالح العام لم يكن من بين اهتمامات أياً منهم، وبالتالى يكون الانهيار الذى جرى مؤخرًا هو النتيجة الحتمية التى ستأخذنا لها الأحداث بسلاسة ومتعة.
يحمِّل الكاتب عمله برؤى وآراء سياسية، اختار أن يمثلها ويرسمها من خلال حيوانات فى غابة مفترضة، لكن الرواية مع ذلك لم تفقد لغة السرد وتتابعها، وجماليات فن الرواية، كما لم تفقد وضوحها فى أى مرحلة من مراحلها المتنوعة، ولا حادت عن دقة الرأى وحدته. فمنذ اللحظة الأولى وقضيتها الأساسية محددة لا تغير الأحداث الفرعية منها ولا تشوش الأفكار الجانبية عليها، فالنهر الكبير للحدث يزداد عمقاً كلما صبت فيه الأحداث لا تخرج منه إلا وتعود إليه، وقد استخدم الروائى فى ذلك جماليات المكان، وقيثارة الزمان، فلعب على أوتارها بالعودة للماضى أحياناً والقفز إلى المستقبل أحياناً أخرى.
ولم يقف المؤلف أمام المظاهر الخارجية الخادعة بل استفاد من خبرته فى العمل القضائى فى معرفة خبايا القضايا واعتمد عليها كثيراً فى معالجته لروايته الأولى مما سهل عليه تفسير الدوافع النفسية للصراع على الحكم فى الغابة، وظروف كل طامح إلى العرش، فإذا كان الوضيع يغالى فى التعالى لمداراة أصله، فان كريم الأصل, والشريف الساعى لمصلحة الأمة يلتزم الصمت حيطة وحذرًا وينأى عن الدسائس والمؤامرات ويتفرغ للعمل.
أشرف العشماوى يعمل مستشارًا بمحكمة استئناف القاهرة، وكان قاضيًا بالمحاكم الجنائية والمدنية، ومحققًا فى قضايا رأى عام شهيرة على مدى زمنى طويل كوكيل للنائب العام.
هذه الرواية تثير على المستوى الفنى قضية غاية فى الأهمية: وهى أنها تستلهم التراث السردى العربى من خلال الحكايات على لسان الحيوان والطير، وهو تراث عريض فى الأدب الهندى، منذ «كليلة ودمنة» و«منطق الطير» وهى آلية للترميز، وقول الحقيقة دون خوف أو خشية من الحكام، وشاعت عمومًا فى أزمنة القهر، حين يلجأ المبدع إلى الرمز أو التصوّف ليكتب بحرية أكبر خاصة وان المؤلف كتبها على مدار السنوات الخمس الأخيرة وكان مقدرا لها أن تنشر فى يناير الماضى وجاءت الثورة لتؤجل ظهورها بضعة اشهر أخرى لتكشف لنا جانبا خفيا وعالما سحريا من زمن الضباع عندما تسود غابة.